وداعًا للفوضى الرقمية: فيسبوك تطلق ميزة جديدة
ماذا لو تحول فيسبوك فجأة من ساحة معركة تسيطر عليها الخوارزميات إلى فضاء هادئ تسمع فيه أصوات أصدقائك فقط؟ هذا بالضبط ما بدأت المنصة العملاقة في تنفيذه عبر ميزة صادمة تسمح للمستخدمين بحظر كل ما هو غير مرغوب فيه، والاكتفاء بمنشورات المقربين! بعد سنوات من الهيمنة الخبيثة للذكاء الاصطناعي , الذي حوَّل حياتنا الافتراضية إلى فوضى من الإعلانات والمحتوى المُوجَّه – يبدو أن ثورة المستخدمين قد انتصرت أخيرًا. لكن هل ستكون هذه الخطوة بداية عصر ذهبي لـ"التواصل الحقيقي"، أم مجرد خدعة ذكية لامتصاص غضب الجمهور؟
الميزة الجديدة، أعلنت شركة ميتا إعادة تبويب إلى تطبيق فيسبوك التي أُطلقت تحت اسم وضع الأصدقاء فقط “الأصدقاء Friends” ، تمنح المستخدمين سلطة غير مسبوقة: تصفية المحتوى ليروا ما ينشره أصدقاؤهم فحسب، حسب الترتيب الزمني، دون تدخل أي خوارزميات. هذا يعني اختفاءً تامًا للإعلانات المدفوعة، ومنشورات الصفحات، وحتى المقترحات الغريبة التي لا علاقة لها باهتماماتك. الفيسبوك بهذا الشكل يعود إلى جذوره كمنصة للتواصل الاجتماعي البسيط، لكن مع تحديث جذري: خيار يضعك أنت في مقعد السائق، لتقرر ما الذي يستحق الظهور في شاشتك، وكأن المنصة تعترف أخيرًا بأن ذكاءها الاصطناعي فشل في فهم البشر!
التفاعلات الأولية كشفت مفاجآت غير متوقعة: بينما هنأ كثيرون على "تحررهم" من إدمان التمرير اللانهائي، اشتكى آخرون من ملل الواجهة الجديدة! فالبعض أدرك أن أصدقاءه نادرًا ما ينشرون، مما حوَّل الصفحة الرئيسية إلى صحراء رقمية. هنا يطفو سؤال محوري: هل كنا نكره الخوارزميات حقًا، أم أننا كرهنا سوء استخدامها؟ الجواب قد يُعيد تشكيل مستقبل المنصات الاجتماعية، خاصة مع تزايد الدعوات لموازنة بين التحكم البشري والذكاء الاصطناعي، بدلًا من إلغاء أحدهما لصالح الآخر.
وراء الكواليس، يُشتبه في أن فيسبوك تستجيب لضغوط متعددة: من تشريعات الاتحاد الأوروبي الصارمة التي تُجبر المنصات على زيادة الشفافية، إلى دراسات تُحذِّر من تآثير الخوارزميات على الصحة العقلية. لكن الخبراء يشككون في نوايا الشركة، متوقعين أن تُعوِّض عن خسارة التحكم في تجربة المستخدم بزيادة الإعلانات في الوضع العادي، أو تقليل وصول المنشورات العضوية إلا للمستخدمين المميزين. هل نحن أمام خطوة أخلاقية، أم مجرد مساومة استراتيجية؟
المحتوى الإبداعي والصفحات الصغيرة قد تكون أكبر الخاسرين هنا. فبين عشية وضحاها، فقدت هذه الحسابات قدرتها على الوصول إلى الجمهور دون دفع أموال، مما يهدد باختفاء آلاف المشاريع الناشئة. في المقابل، يرى مؤيدو الميزة أن هذا التحول يُعيد القيمة للمحتوى "الحقيقي" ويُقلص هيمنة الحسابات الوهمية والمؤثرين المدعومين. الصراع بين "الجودة" و"الكم" يُعاد تعريفه في معركة قد تُحدد مصير الثقافة الرقمية ككل.
التجربة كشفت تناقضًا غريبًا في سلوك المستخدمين: فبعد أيام من تفعيل الوضع الجديد، عاد كثيرون إلى الخوارزميات القديمة، معترفين بأنهم اشتاقوا للمفاجآت العشوائية التي تُضفي إثارة على الروتين! هذه الظاهرة تطرح أسئلة وجودية: هل نريد حقًا التحكم الكامل في محتوانا، أم أننا نفضل أن تُسقط علينا المنصات "المفاجآت" التي تُلهينا عن واقعنا؟ الإجابة قد تُحدد ليس فقط مستقبل فيسبوك، بل مستقبل كل منصات التواصل التي تتلاعب بنا منذ سنوات.